الساديّة والسوداوية في التاريخ: هل من علاقة ما بين سادية المرء وسوداويته؟/ د. عدنان الظاهر

هناك شبه لفظي ما بين الظاهرتين ( سادي ـ سوداوي ) رغم أنَّ السوداوية مُشتقة من اللون الأسود والإنسان المكتئب يسمونه رجل سوداوي أو أنه يُعاني من الكآبة ( السوداء ) أو المالنكوليا باللغات الأخرى غير العربية. أما لفظة السادية فهي في الأصل مُشتقّة من اسم عَلَم هو الماركيز دي ساد.
السوداوية إنحراف نفساني أساسه خلل أو إضطراب في مكان ما في الجهاز العصبي للإنسان وقد يكون الدماغ نفسه هو هذا المكان لا سواه.
فهل السادية هي الأخرى إنحراف نفساني سببه خلل في الجهاز العصبي للإنسان ؟ هل أجاب الطب عن هذا السؤال لا سيّما علماء الطب العصبي والنفسي . أنتظر الجواب من العزيز الدكتور المختص بمثل هذه الشؤون السيد قاسم حسين صالح. كما انتظر منه تسليط الضوء على إجتهادي المغامر بالدعوى أنَّ السادي هو بالضرورة سوداوي لكنَّ السوداوي ليس ضرورياً أنْ يكونَ سادياً وقد رأيت وعاصرت أناساً كانوا يعانون من داء الكآبة ولم يكونوا ساديين. كما سمعنا وقرأنا عن عتاة الساديين بين البشر مثل نيرون روما وهتلر وصدام حسين وأضرابهم ممن كانوا كذلك سوداويين متقلبي الأمزجة حادي الطبع العصاب سيّد مواقفهم. ولعلنا نتذكر طبيعة الملك الكندي في حيرة العراق النعمان بن المُنذر الذي كان يُكرم ويقتل حسبما تقتضيه طبيعته السوداوية المتقلبة فعُرف عنه بصاحب يوم الشؤم ويوم التفاؤل والخير فهذا خير نموذج للسادي والسوداوي معاً.
مسح سريع للسادية في التاريخ
في الكثير مما سأقولُ هنا إجتهادات خاصة وتفسيرات هي الأخرى خاصة قد لا يتفق معي بشأنها الكثير من القرّاء الكرام وذلكم أمر طبيعي لا يثير غضب أحد. إنها محاولات مسح مختصر سريع لظاهرة السادية وليست بحثاً مُعمّقاً وموسّعاً ى تخلو من شئ من الأدب وكيف أفترق عن الأدب ؟
1ـ أبدأ بالإغريق وبإسبرطة تحديداً. عرف مجتمع إسبرطة بالقسوة والطبيعة العسكرية الصارمة التي انعكست على مواقفهم من الأطفال المواليد الجُدد. فقد دأبو على وضع الطفل الوليد على قمة جبلٍ ويتركونه يتحرج حتى أسفل السفح فإذا مات فإنه غير جدير بالحياة وإلاّ فهو الجدير الذي يستحق ويتحمل أعباء الحياة. كيف تكون سادية الإنسان إذا لم تكنْ هذه واحدة من أبشع وأفظع أشكال السادية ؟
2ـ سادية الرومان : كان الرومان بعيدين عن أنواع السادية الجماعية لكنهم مارسوا نوعين من السادية النوع الأول فرضوه كرياضة وتسلية   ومتعة لأباطرة ووجهاء روما أجبروا أسراهم وعبيدهم على ممارسته في 
مهرجانات خاصة وأطلقوا على مَنْ يمارسونها مُجبرين اسم  
Gladiators
أي المجالدون أو المتقاتلون حتى الموت فمن نجا من الموت نجا حرّاً من أسر العبودية ومن نفقَ فإلى جهنم وبئس المصير !
أما الصنف الثاني من سادية الرومان فهو كذلك ضرب من المتعة البصرية والمشاهد التمثيلية الحيّة تقضي بإطلاق الوحوش الضارية وخاصة الأسود الجائعة على بعض العبيد والأسرى فمن قتلته هذه الوحوش شبعت بلحمه ومن نجا نجا مُثخناً بجراح نيوب ومخالب تلك السباع الضارية. 
وما دام الكلام عن سادية الرومان فلا بدَّ من الإعتراف أنَّ الرومان لم يمارسوا السادية الجماعية الكاسحة فلم يقصوا رؤوس العبيد الذين ثاروا تحت قيادة سبرتاكوس وقد ظفروا بهم بل علّقوهم على الصلبان فقط ودعوهم يموتون هناك بصمت ... رأينا هذا المشهد المثير في فيلم سبرتاكوس الأمريكي وقد مثّل دور قائد العبيد فيه الممثل كيرك دوكلاص. لا بدَّ من التذكير بسادية وجنون الإمبراطور نيرون الذي أحرق روما ويتفرج عليها تحترق وسقوف دورها تتهاوى وهو يغني ويعزف على آلة موسيقية.
هناك مصارعات سادية ما زالت بعض الشعوب تُجريها بين الإنسان وبعض الحيوانات أكثرها شيوعاً وشهرة مصارعة الثيران في إسبانيا والبرتغال والصراعات الدموية بين الكلاب والدببة بل وحتى بين الحيوانات الوديعة المسالمة منها مثل مصارعة الديّكة. 
3ـ السادية في الإسلام : قرأنا في التاريخ أنَّ هنداً زوج أبي سفيان أكلت قلب أو كبد الحمزة عم الرسول وقد سقط قتيلاً في معركة بدر. كما قرأنا كيف أحرق خليفة المسلمين الأول أبو بكر الصديق بعض القبائل العربية التي قال عنها إنها إرتدّت عن الإسلام وما كانت كذلك إنما امتنعت عن إرسال الزكاة لبيت المال في المدينة وكانت معها حجة قوية من القرآن تقول ( إنما الزكاة للهِ ورسوله ) فحاججوا لقد مات الرسول فلماذا نجمع الزكاة ولمن ؟
وتظل سادية بعض العرب المسلمين في معركة الطف في كربلاء هي الأعمق أثراً والأخلد ذكرى في العقل الجمعي العربي إذْ مثّل جيش يزيد الأموي بجثة الحسين وداسوها بحوافر خيولهم ثم فصلوا رأسه عن جسده وحملوه على رمح من كربلاء ليمثل أمام يزيد في قصره في دمشق الشام. قبل مقتل الحُسين بن علي بن أبي طالب أسقطوا ابن عمه مسلم بن عقيل المثخن بالجراح من سطح قصر الإمارة في الكوفة ومقر إقامة أميرها عبيد الله بن زياد إبن أبيه ثم وضعوا في عنقه حبلاً وسحلوه في طرقات مدينة الكوفة. قال شاعر يصف ذلك :
إذا كنتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري
إلى هانئٍ في السوقِ وابنِ عقيلِ

إلى بطلٍ قد هشّمَ السيفُ وجههُ
وآخرَ يهوي من طُمارِ قتيلِ

هانئ بن عروة رجل كوفي كان من الموالين لآل البيت ومن مؤازري مسلم والمؤمنين بدعوته والرسالة التي حمّلها الحسين بها لأهل وعشائر الكوفة. أخبرني قبل سنين صديق عزيز أنَّ ( الطُمار ) في الأصل هو ( الطُومار ) والطومار هو اسم قصر أمير الكوفة يومذاك.
ربّما أخذ بعضُ خلفاء بني العبّاس مصارعة بعض الناس للأسود من الرومان فصاروا يدّربون بعض خاصتهم من رجال حاشيتهم على رياضة مصارعة الأسود لكنها كانت رياضة سادية غير متكافئة لأنهم كانوا يُشبعون الأسد المرشح للمصارعة باللحوم الطرية كأن يجعلونه يفترس عجلاً أو خروفاً دسم اللحم حتى يثقل وتصعب حركته وقدرته على المناورة والهجوم والدفاع عن النفس فتصبح مهمة قتله يسيرة لا صعوبة فيها. كان الخليفة العباسي المتوكل من المغرمين بمشاهدة هذا النوع من مصارعة السباع ولشاعره البحتري قصيدة رائعة عنوانها " أسدٌ مشى يبغي أسدا " (1) يمدح الفتح بن خاقان ويصف فيها مشهداً من مشاهد مصارعته لأسد مُتخم بلحم بقرة وقال فأبدع في واحد من أبياتها واصفاً الأسد ـ الخصم المصارع :
فأحجمَ لمّا لمْ يجدْ فيكَ مطمَعَاً
وأقدمَ لمّا لمْ يجدْ عنكَ مهربا
إذا قاتل الفتح بن خاقان الأسد لتسلية خليفة المسلمين المتوكل وباقي رجالات حاشيته فإنَّ الشاعر البحتري قتل ذئباً فاجأه في الصحراء دفاعاً عن النفس ثم اتخذ منه طعاماً سائغاً مشوياً. قال البحتري في قصيدة " وأطلسَ مِلءَ العين " :
سما لي وبي من شدّة الجوعِ ما بهِ
ببيداءَ لم تُعرفْ بها عيشةٌ رغدُ

كلانا بها ذئبٌ يُحدّثُ نفسه
بصاحبه والجَدُّ يُتعسهُ الجّدُّ

عوى ثمَّ أقعى فارتَجَزتُ فهِجتهُ
فأقبلَ مثلَ البرقِ يتبَعُهُ الرعدُ

فأوجرتُهُ خرقاءَ تَحسبُ ريشَها
على كوكبٍ ينقضُّ والليلُ مُسوّدُ

فما ازدادَ إلاّ جُرأةً وصَرامةً 
وأيقنتُ أنَّ الأمرَ منهُ هو الجِدُّ

فأتبعتهُا أخرى فأضللتُ نصَلَها
بحيثُ يكونُ اللُبُّ والرعبُ والحِقدُ

فخرَّ وقدْ أوردتُهُ مَنهلَ الردى
على ظمأٍ لوْ أَنّهُ عَذُبَ الوِردُ

وقمتُ فجمّعتُ الحصى فاشتويتُهُ
عليهِ وللرمضاءِ من تحتهِ وَقْدُ

ونلتُ خسيساً منهُ ثم تركتُهُ
وأقلعتُ عنهُ وهو مُنعَفِرٌ فَرْدُ
يبدو من هذه الوقائع التي صيغت شعراً أنَّ ناس ذاك الزمان ما كانوا يأكلون لحم الأسود لكنهم كانوا يأكلون لحوم الذئاب أو أنهم أجازوا أكلها في حالات إضطرارية طارئة كتلك التي كان الشاعر البحتري فيها حيث الصحراء القاحلة والجوع.
ملاحظتان على بيتين من أبيات هذه القصيدة. الأولى تخص قول البحتري ( فأقبلَ مثلَ البرق يتبعُهُ الرعدُ ) وهذه حقيقة علمية فيزيائية في أنَّ الضوء، البرق، هو أسرع من الصوت .. وهذا ما نلاحظه في ظاهرة البرق يأتي ثم نسمع بعده صوت الرعود المصاحبة للمطر. أما الملاحظة الثانية فتخص قول الشاعر ( على كوكبٍ ينقضُّ والليلُ مسوّدُ ) ففي هذا الكلام شبه كثير بقول الشاعر بشّار بن بُرد السابق للبحتري ( كأنَّ مُثارَ النقعِ فوقَ رؤوسنا / وأسيافَنا ليلٌ تهاوى كواكبًهْ ). لم يتهمْ أحدٌ البحتري بالسرقة من بشّار كما كان يفعل البعض مع المتنبي.
هناك مصارعات سادية ما زالت بعض الشعوب تُجريها بين الإنسان وبعض الحيوانات أكثرها شيوعاً وشهرة مصارعة الثيران في إسبانيا والبرتغال والصراعات الدموية بين الكلاب والدببة بل وحتى بين الحيوانات الوديعة المسالمة منها مثل مصارعة الديّكة. 
قد يكون الآشوريون السبّاقين لرياضة ومتعة ملاحقة وصيد الأسود وفي المتحف البريطاني في لندن لوحات جدارية فيها صور محفورة لبعض ملوك آشور يلاحقون الأسود راكبي عرباتهم التي تجرّها الخيول أو هذه الأسود تلاحقهم فيسددون السهام صوبها فيصيبون من يصيبون ويقتلون من يقتلون وهي في غاية الدقة والروعة فهل كان في شمال العراق في نينوى الكثير من الأسود الطليقة حينذاك ؟ لم يترك السومريون ولا المصريون ولا البابليون [ على حّدِ علمي ]  آثاراً محفورة أو مكتوبة تدلُّ على أنهم كانوا يمارسون هواية أو رياضة قتل الأسود الطليقة فهل في هذا دليل كافٍ قاطع على أنْ لم تكنْ في أراضي سومر وبابل أسود ؟ إذاً كيف ولماذا اتخذ البابليون الأسد شعاراً لعظمة وغلبة دولتهم وتمثال أسد بابل من حجر البازلت الأسود من الشهرة بمكان ؟ أما يكفي هذا دليلاً على وجود الأسود في أراضي ممالك بابل ؟
4ـ سادية الثورة الفرنسية : مِمَ تعلم المثقفون والفلاسفة الثائرون في باريس صنعة قطع رؤوس مخالفيهم في الرأي والتنظير وكانوا من رفاقهم وزملائهم في الثورة والحكومة والبرلمان والتشريعات الثورية ؟ قرأنا عن الأدوار الدموية  التي لعبتها المقصلة زمان الثورة الفرنسية. كانوا يقطعون رؤوس أندادهم بآلة الحديد الحادة المسماة مِقصلة... يا للشناعة ! قصوا حتى رأس الملكة ماري إنطوانيت بهذه الآلة الجهنمية الحادة. لم يرحموا حتى المرأة منها. لقد قتل مناوئو شاوشسكو حاكم رومانيا السابق قتلوا زوجته رمياً بالرصاص ولم يقطعوا عنقها ولم يمثّلوا بجسدها وهذه لا ريب طريقة للموت أفضل من قص الرؤوس.
5ـ سادية هتلر ورفاقه النازيين : لا جدالَ في شناعة سادية أدولف هتلر ورهطه المحيطين به من كبار الساسة ورجالات حزبه النازي وكبار قادته العسكريين. نعم، إنهم لم يقطعوا رؤوس ضحاياهم ولم يمثّلوا بأجسادهم لكنهم قتلوا الكثيرين بالسموم ( حجرات السموم ) وأجاعوهم حتى الموت وجعلوا من بعضهم حقولاً لإختبار بعض العقارات ولبعض العمليات الجراحية. ثم ما قامت به طائرات الجيش النازي من إلقاء آلاف الأطنان من القنابل فوق لندن وعلى أهداف ليست عسكرية لتحترق لندن وتتساقط الدور فوق رؤوس ساكنيها. كما كرروا الجريمة هذه نفسها في بولندا فأية سادية وحشية هذه التي مارسها هتلر الذي كان بدوره موسوساً وربما مجنوناً !
6ـ الساديّة الأمريكية : نشر الأخ الدكتور حسين سرمك حسن في موقع المثقف سلسلة من الأبحاث الموثّقة بيّن فيها جرائم الإدارات الأمريكية وإسرافها في السادية وقتل الشعوب وتآمرها على الحكومات التي تتمرد على سيطرتها وتنهج نهجاً وطنياً مستقلاً. في ما نشر الأستاذ حسين سرمك ما يكفي لتنبيه العالم إلى تأريخ أمريكا الدموي السادي وفضح مزاعمها وثرثراتها عن الحرية والديمقراطية وحريات الأسواق لكني أكتفي بتذكير البشرية بجريمة أمريكا غير المسبوقة والأكثر فظاعة في التأريخ الإنساني وأقصد إسقاطها قنبلتين ذرّيتين فوق مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في شهر آب عام 1945. لم يفعلها أحدٌ أو بلدٌ قبلها ولم يفعلها أحدٌ أو بلدٌ غيرها بعدها لكني لا أستبعد قيام إسرائيل بإستخدام أسلحتها النووية في أية حرب قادمة تخسرها أمام أعدائها والمرشّح الأول إيران لا السعودية ولا الأردن ولا مصر! دأب مسؤولون إسرائيليون عسكريون كبار على القول إنَّ إسرائيل لا تتحمل هزيمة عسكرية مما يؤكّد عزمها على استخدام أسلحتها الذرية لتركيع واستسلام العدو وخروجها من الحرب منتصرة كما كان الحال في نهاية الحرب العالمية الثانية حيث استسلمت اليابان لأمريكا دون قيد أو شرط بعد ضربها مدينتي هيروشيما وناكازاكي بالقنابل الذرية! إسرائيل تحلم بنصر مثل هذا ولها في أمريكا أسوة ومثال تحتذيه حقّاً ومجازاً. 
6ـ سادية صدام حسين ورفاقه البعثيين : لا يختلف صدام في رأيي عن هتلر فقد افتعل حرباً ضروسَ مع إيران ثم غزا الكويت فانتقمت أمريكا وحلفاؤها منه فدمروا العراق وقصفوه حتى بالأسلحة المحرّمة دولياً وحتى بقنابل اليورانيوم المنضّب ومع ذلك ورغم ذلك لم يتنازل عن السلطة والسلطان فنال العراقيين جرّاء ذلك ما نالوا من حصار وجوع وأوبئة في حين ظلَّ صدام معافى يبني لنفسه المزيد ثم المزيد من القصور الخرافية واقتنى السيارات الفارهة الغالية الثمن. بدأ جنون صدام وساديته مع الشعب العراقي نفسه فاستأثر بالسلطة وجعلها حِكراً على حزبه حزب البعث العربي الإشتراكي ووضع في السجون مخالفيه في السياسة والرأي واغتال بعضهم وقتل الكثيرين تحت التعذيب في السجون وسمم معارضيه بالثالثوم داخل وخارج العراق. لقد استخدم جلاوزة صدام وبطانته الأكثر قُرباً منه أساليب في تعذيب مخالفيه قد لا يخطر بعضها على بال بشر وقد كتب عنها بعض من عاناها من قطع الأصابع أو الأطراف والتعليق لساعات من السقوف والرؤوس تتدلى صوب الأرض بل وداسوا بالحادلات أجساد البعض من معتقليه ومسجونيه فأية سادية هذه وأي بشر هؤلاء ؟ كان صدام ساديّاً من الطراز الأول وكان سوداوي الطبيعة حسب مشاهدات وملاحظات الخبراء الذين رأوه والأطياء الذين عالجوه. عرض جلادو صدام حسين الطبيب البعثي راجي التكريتي لمجموعة من الكلاب الخاصة المدرّبة لتنهش لحمه حيّاً. هل سيكون صدام حسين آخر حاكم سادي ـ سوداوي دموي تضعه الأقدار على رأس السلطة في بلد ما ؟ كتب بعضٌ من ضحاياه عمّا لاقوه من صنوف التعذيب الجسدي والنفسي في قصر النهاية وكان بعضهم وزراء سابقون ورؤساء وزارات وأطباء ومحامون ورجالات فكر وثقافة. كما لا يفوتني في هذا المقام ذِكْرُ قطار الموت وما جرى فيه لنخبة ممتازة من رجالات العراق صيف عام 1963 وقد كُتب الكثير عن مأساة قطار الموت هذا وكان آخر مَن كتب هو الأستاذ حامد فاضل في موقع المثقف فأبدع وأجاد وهو أحد أبناء مدينة السماوة حيث كانت محطة قطار الموت الأخيرة قبل نقلهم منها إلى سجن وقلعة نقرة السلمان في قلب بادية السماوة.
7ـ سادية الدواعش : منذ أنْ سيطر الدواعش على مساحات شاسعة في العراق وسوريا والكل يسمع ويرى ما يفعل هؤلاء الفائقو السادية بأسراهم ومخالفيهم وما يفعلون بالنساء الإيزيديات والمسيحيات وما صنعوا بأضرحة ومقامات الأولياء الصالحين والصحابة والآثار التأريخية التي لا تقدّر بثمن. يهمني هنا ذكر قص رؤوس ضحاياهم بالسيوف ورمي جثثهم في الأنهار الجارية مثل دجلة والفرات. وهل ننسى عملية حرق الطيار الأردني حيّاً في قفص من حديد ؟ هل هؤلاء بشرٌ ؟ هل هم أسوياء الطبيعة والنفس والأعصاب ؟ هل هم حقاً مسلمون وأي إسلام هذا الذي يدّعون ؟ 
8ـ نزار قبّاني 
أنتقل من سادية الملوك والقادة والشعوب إلى سادية شاعر عاصرناه ردحاً من الزمن قرأنا دوواين شعره وسمعنا ما تحوّلَ منها إلى ألحانٍ وأغانٍ ناجحة بدأتها المطربة المصرية السيدة " نجاة الصغيرة " بأن غنّت قصيدة " أيظنُ " ثم أتبعتها بغناء قصائد أخرى ثم غنت المطربة السورية الأصل المرحومة فائزة أحمد قصيدة أخرى لنزار فأجادت وأطربت وأشجت أقصد قصيدة وأغنية " لا تدخلي ".
إنه الشاعر الدمشقي نزار قباني وما كان حاكماً فرداً مستبّداً ولا رئيساً لدولة.
سادية هذا الرجل معروفة لمن عاصره منذ دواوينه الشعرية الأولى في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي بشكل خاص سأتعرض لها ربما بشئ من التفصيل. ليس لديَّ إلاّ أشعار هذا الرجل أستعين بها لكشف ساديته وسوداويته. قال في قصيدة الرسمُ بالكلمات، الأعمال الشعرية الكاملة الجزء الأول ص 464 ) :
الجنسُ كان مُسكّناً جرّبتهُ
لم يُنهِ أحزاني ولا أزَماتي
والطريف أنَّ السوداوية والسادية جاءتا معاً في هذه القصيدة بالذات إذْ قال فيها :
فصّلتُ من جلدِ النساءِ عباءةً
وبنيتُ أهراماً من الحَلَماتِ
 عبّر نزار قباني عن طبيعته السوداوية في قصيدة أخرى عنوانها " تناقضات ن.ق, الرائعة " قال في الصفحة 217 منها (3):
وما بينَ فصلِ الخريفِ وفصلِ الشتاءْ
هنالكَ فصلٌ أُسمّيهِ فصلَ البكاءْ 
لستُ بصدد تحليل ونقد قصائد قبّاني الطافحة بالنرجسية الطاووسيّة فضلاً عن الساديّة المُتكلَّفة والمفتعلة وغير المبررة أصلاً لذا سأذكر عناوين هذه القصائد ففي هذه العناوين ما يكفي من إشارات وصور شديدة الوضوح تعبّر عن سادية الشاعر. 
رسالة من سيّدة حاقدة
حبلى ... أوعية الصديد ...  إلى أجيرة ... 
حين تعرّض نزار بسبب هذه القصائد إلى حملات من النقد اللاذع إدّعى إنها تمثل حالات موجودة ولا علاقة له بها فهل كان صادقاً فيما ادّعى أم أنه كان حقاً ساديّاً وسوداوياً معاً ؟ 
هوامش
1ـ ديوان البحتري، المجلّد الأول دار بيروت للطباعة والنشر 1980 الصفحات 195 ـ 198 
2ـ نزار قبّاني الأعمال الشعرية الكاملة الجزء الأول منشورات نزار قباني، بيروت، الطبعة العاشرة آيار ( مايو ) 1980 الصفحات 464 ـ 466 
3ـ نزار قباني الأعمال الشعرية الكاملة الجزء الثاني منشورات نزار قبّاني، بيروت، الطبعة الثانية 1980

CONVERSATION

0 comments: